مرت قافلة تجار تحوي رجالا ونساءً وشيوخاُ وأطفالاً حيثُ اعتادوا حياة الترحال فكل بلد يمرون بها يتبضعون منها ويبيعون في أخرى وفي ذات يوم مرت تلك القافلة بواحة صغيرة منطقة ذات أشجار ونخيل وخضرة وينبوع ماء لا يجف وهناك كان مجموعة من الغنم يرعاها عجوزا تجاوز المائه والثلاثون من عمرهُ فمرت به القافلة لتتذود بالماء وليسترخون من عناء طريق طويل فأعجبتهم الفاكهة وتذودوا بالمشمش والخوخ فسمعوا صوت مزمار حزين يعزف نغمات تقشعر لها الأبدان فجتمع الناس حولهُ يسمعون عزفهُ .. فسألهُ أحدهم مابك يا شيخنا في الخلاء وحدك تعيش فمن يؤنس وحدتك ومن يرعى شؤنك فقال الشيخ وهو يزيد النيران بالحطب ويزيد .. أعيش على الذكرى وتؤنس وحدتي طيف محبوبتي .. قال أحدهم طيف ؟؟؟ هل يسكن المكان أشباح أيضاً.. قال الشيخ في حزن يالولدي أنه طيف الماضي والذكريات تعيش الأشباح فقط في عقلي ولما نقول أشباح أنهُ طيف الملاك محبوبتي (( وجه القمر ))
قالت سيدة .. يالهُ من أسم جميل وجه القمر .. فذاد أحدهم سؤالاً وأين هي ولماذا أصبحت طيفاً لماذا أصبحت على هيئة شبح من أشباح الماضي... قال الشيخ أنهُ جزائي بعدما قتلتها.....
صرخت النساء صرخات دهشة وتعجب وقلن قتلتها ثم تسأل أحد الرجال هل حقاً قتلتها كيف بالله عليك أحكي لنا من البداية لنفهم قصتك ...
تنهد الشيخ قائلاً هذا كان منذو سنواتٍ طوالاً .. حيثُ أن أنشغل فكري بفتاة ناصعة البياض ومن شدة نور وجهها أطلق عليها بوجه القمر كانت فتاتاً حسناء غاية في الرقة والإحساس وجمال المشاعر كانت حنونة طيبة القلب وأنشغل الجميع بها وتقدم الكثير لها للزواج وهي ترفض ظللت أقول وأراهن بأنني أقوى رجال العرب وفارسهم الأول حيثُ كنت مشهوراً بسيفي وكانت بنات القرية كلها مشغولات القلب بي ولكن هي أصبحت هدفي الوحيد وفريستي كما كانوا يقولون .. وتراهنت مع الأصدقاء بانها ستنشغل القلب بي وستتمناني يوما زوجاً لها وسأرفض طلبها ..
فقال لهُ الفرسان وماذا أذا أحببتها قال لا ولن يكون وقتها سأتنازل عن لقب الفارس وسأحمل مزماراً لا سيف .... وعليها كنت أسير ورائها كل يوم وأحمل عنها أثقالها ..أسمعها عذب الكلمات .. وهي فقط تبتسم بسمات وتشكرني بكل لطف ورقة على حلو كلامي ..ثم تأخذ أحمالها وتدخل خيمتها.. حذرها الجميع من حلو كلامي فهو كالماء يذوب ولا يعود لهُ أثر ..
وما ذنب المسكنة إذا تعلق الفؤاد وذابت منها الروح وذاد منها نبض القلب يوماً بعد يوم...
علمتني كيف من نظرات عينها وحياء وردات خدودها أن أكتب الشعر سطوراً مسطوره كنت يومياً أخذها أمامي على ظهر فرسي ونطير ونصعد أعلى قمم التلال كانت تحب أن تلامس بأصابعها السحاب وترسم على صفحات السماء أحلامها وتكتب على قمم الجبال قصة حبها..
قالت لي يوما .. وقتما تغيب عن ناظري أنظر إلى ألواح السحب فعليها سجلت أجمل اللحظات وأسعد الذكريات وقالت في مرة أخرى ما حاجة العمر وأنت لست موجوداً بهِ وما حاجتي لعيني إذا ما تراك ...
ومن كلمتها بكت نساء القافلة وقال الرجال يا ليت الجميع مثلها...
وأكمل الشيخ قائلاً عرفت فجأتاً بأنني قد أحببتها ولا أستطيع فراقها لدرجة أنني كنت أذهب إلى خيمتها في أعماق الليل أجلس أمامها وأتأمل صورتها وهي نائمة وأظل أفكر فيما تنسجهُ لها الملائكة من أحلام ...
وفي يوم أصبحت لها مديوناً بروحي حيثُ أطلق علي أحد الأعداء سهماً كنت قد قتلت أخيهِ في ساحة قتال.. فراءتهُ من بعيد هي فجرت وأخذت السهم بدلاً مني ..
فشهق جميع نساء القافلة وقلن .. وهل ماتت.. قال الشيخ لا لقد أصيبت في كتفها .. ولكن وقتها أفاقت عيني من وهمي على تلك الفتاة التي ضحت بحياتها من أجلي ... وما لم تكن تعرفهُ هي أنها كانت رهان صيد بيني وبين أصدقائي ....
ومرت لحظات حبنا سنوات سنوات من العشق والغرام .. وكم كنت أرغب بالزواج منها .. ولكن كيف ستكون سيرتي وسط رجالاً ذات هيبه ومركز وأشتغل فكري بماذا سيقولون عني أذا ما أردت الزواج منها وماذا سيفعلون أذا بحت بحبي
وظلت السنوات تسير وتمضي ولم تطلب مني يوما أن أتزوج بها والسبب هو عزة نفسها وكرمتها التي تمنعها لذا رضيت بالقليل ورضيت بلحظات نسرقها من الزمان .. وجاء اليوم الذي تسأل فيه الجميع عن سبب رفضها للزواج وقد زاع في البلد خبر حبنا وسط العشيرة .. فشكاني أبيها إلى شيخ القبيلة ودعني لمناظرة .. ما أذا كنت أريد الزواج من أبنتهُ أو تركها لحال سبيسلها .. وحضرت هي وأهلها وكل عشيرتنا والفرسان والأصدقاء الذي كنت أهاب على كبريائي أمامهم .. وظل يسأل زعيم القبيلة والكل حاضر هل تحبها هل تريدها هل ترضاها
زوجتاً لك ...؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وظل يعيد السؤال وراء السؤال وأنا صامت أنظر إلى كل العيون إلا عينها لم أراهما ولم أستطع قرائتهما فقد غطت عني وجهها بحجابها وأخيراً قلت لا يا زعيم القبيلة كيف لي أتزوج بمن كانت بيني وبين أصدقائي رهان ... كانت كفريسة صيد لكل صياد وأنا فارس القبيله فأي صياد أمهر مني..... قولتها ولا أدري كيف قلت ما قلتهُ وتناثرت دمعات الشيخ وهو يروي قصتهُ الحزينه
وساد الصمت لحظلت ثم عاد الرجل يسأل وكيف قتلتها ؟؟
فيقول الشيخ متعجباً ألم تكن تلك الكلامات قاتلة .. ألم تكن لك كافية لتفقد عقلها وتذوب عنها الروح .. لم سنه وكنت في مهمه خارج العشيرة وفي مهمة مع الزعيم وخرجت هي إلى النهر لتتذود بمائها فخرج عليها ثلاثة من شباب القرية ظناً ممنهم بأنها ليست عذراء وأنني كنت قد أغويتها وألا فلما لم أرضا بها زوجتاً .. فجرت هي إلى أعلى التل وهم ورائها يمزقون عنها ردائها ظلت تجري إلى حيثُ كنا نتقابل وهي تصرخ بأسمي لنجدتها .. ولكن للأسف أنا لم أكن موجوداً لكننت دافعت عنها بروحي لا بسيفي .. لقد كانت هي كشرفي أنا في وجهي أنا لا شرف أبيها .. وعلى أخر خطوة من التل قالت هي والله لن يمسسني أحداً ألا هو وإذا أقترب مني أحدكم بخطوة سأرمي بنفسي من أعلى التل ..فلم يصدقوا كلامها فحاول أحدهم الأقتراب بخطوتاً والأمساك بها ولكنها كانت قد رمت بنفسها قبل أن تمسكها يد غريبة يد غير يدي كانت تحتفظ بنفسها لي ليوم أفيق فيه من غيبوبتي من كبريائي وعنادي .. وحينما عدت وعلمت بما حدث علقت رؤؤسهم على شجرة في وسط عشيرتنا ..... كنت أسترق النظر إليها كل يوم من بعيد من وراء الأشجار ومن بعدها لم أراها ألا طيفاً يسكن خيالي وكل وجداني...
بكت النساء وحزن الرجال على وجه القمر وقاموا جميعاً تاركيين الشيخ بدون تعليق ولكن الشيخ
في صباح اليوم التالي كان قد مات من كثرة الحزن والبكاء .. من كثرة الألم والوحدة وكأن القدر أرسل بهذه القافلة لدفن الشيخ بجوار محبوبتهُ وعادت القلوب تتلاقى ولكن في جنة الخلد